حب الوطن جزء لا يتجزأ من التربية الصالحة الموجهة، حيث أن واحد من أهم غايات التربية مساعدة النشء على تنمية مشاعر الانتماء للمجتمع والوطن، ولا يتصور أن تكون تربية هادفة دون أن تضع نصب أول أولوياتها تنمية هذا الجانب. ولا يخفى أن شعار التربية والتي تباهي به أدبياتها قديما وحديثا هو “تربية المواطن الصالح” ولا يتوقع لإنسان أن يكون مواطنا صالحا دون أن يتغلغل ويتجذر حب الوطن في نفسه حتى يخالط لحمه ودمه. ومن هنا تنمية حب الوطن في النفوس مسؤولية الجميع وهمُُ يجب أن تشترك في حمله جميع مؤسسات المجتمع. ووسائل ذلك عديدة من أهمها تضمين مناهج التعليم العام رسائل مباشرة وغير مباشرة في هذا المعنى تتناسب في كل مرحلة مع النضج العقلي والزمني للطلبة، تأكيد وتعزيز مستمر من خلال وسائل الإعلام والمناهج وغيرها بمآثر هذا الوطن ونعم الله عليه أن جعله جزء منه، أيضا، وهو أمر في ظني في غاية الأهمية، تأكيد وتعزيز أهمية كل منطقة وكل محافظة وأهلها وتاريخهم في خدمة وبناء هذا الوطن. لابد أن تعمل وسائل التأثير العام كالإعلام والمدارس النظامية على تأكيد دور أفراد هذا الوطن بكافة طبقاته وانتماءاته ومشاربه في بناءه وتطوره وأنهم مصدر عزه وتقدمه قديما وحديثا ومستقبلا. إن عملية تنمية حب الوطن في نفوس أبنائه يجب تكون ضمن خطة شمولية وليست عملية عشوائية فلابد أن تحتوي مضامين الخطة على جوانب عديدة من أهما تأكيد فهم النشء لحقيقة دورهم في المجتمع، والحقوق التي لهم والمسؤوليات التي عليهم في محيطهم المحلي والوطني.
تقصير بعض المعلمين في بيان حقوق الوطن وواجبنا تجاهه هل هو حقيقة ولماذا وما هو العلاج؟
قضية حيوية مثل حقوق الوطن يجب أن لا تترك للاجتهادات الفردية والمبادرات الشخصية، وبالتالي لا نحتاج إلى متابعة كل معلم وكل أب ماذا فعل وكيف يفعل، المسألة في حاجة إلى نظرة أشمل وأعمق، ومراجعة الأسس وبناء استراتيجيات بعيدة المدى. أتصور أن القصور في فهم معنى الوطنية أمر لا يشكو منه المعلم فحسب وإنما كثير من مؤسسات المجتمع وأفراده، وبالتالي المعلم وغيره لا يستطيعون بيان حقوق الوطن وواجبات أبنائه نحوه بالصورة المقنعة والسلسة. تأسف كثيرا أن يكون الفهم قاصرا لمفهوم حيوي مثل الوطنية على ترديد شعارات وشكليات عامة لا ترسخ قيم ولا تبني قناعات حقيقية. ولعل أهم وأول خطوات العلاج أن نبني تصورا واضحا لهذا المفهوم؛ لا يوجد أحد لا يحب وطنه ولا يشعر بالانتماء إليه، ولكن هناك جهل بمسؤولياته نحوه. وكما هو معلوم مفهوم الوطنية يتضمن أيضا إلى جانب المشاعر الفياضة بالحب والولاء، جوانب الشعور بالمسؤوليات الاجتماعية والأخلاقية تجاه مجتمعه ووطنه، جوانب الاندماج في هموم المجتمع والوطن وحاجاته وتطلعاته، جوانب معرفة الحقوق التي للفرد في هذا الوطن والواجبات التي عليه. هذه كلها جوانب تجب رعايتها في سن مبكرة من عمر النشء ويجب أن تستمر هذه الرعاية مع تقدمه في العمر بما يتناسب مع حاجاته وحاجات وطنه ومجتمعه. هذه الجوانب لا يمكن تلقينها وترديدها أو بناء مقرر دراسي لها وتنتهي المهمة، بل لابد من دمجها في الحياة العامة والخاصة لكل فرد، لا بد من دمجها في محتويات المناهج الدراسية بتنوعها، ودمجها في الرسائل الإعلامية بمختلف طبيعتها، ودمجها في روح العمل في شتى المؤسسات الحكومية والأهلية. أتصور أن من أهم وسائل المدرسة والمعلم في تعميق هذا الشعور في نفوس النشء مساعدتهم على الوعي بأهمية وجودهم في هذا الوطن وكيف يمكن أن يكونوا مؤثرين إيجابيين في بناء حضارته. هذا كله يتطلب جهدا في مساعدة الطلبة على اكتساب مهارات وقيم وبالتأكيد المعرفة والعلم.
الطلبة بحاجة إلى أن يكونوا نشطين فاعلين في اكتساب قيم ومبادئ الوطنية، كي تتعمق المضامين الحقيقية لمفهوم حب الوطن والولاء له، وإذا كنا جادين في ذلك ونرجو مكاسب بعيدة المدى في هذا المضمار، فنحن بحاجة إلى العمل على مساعدة الطلبة على اكتساب مضامين هذه القيم من خلال تطوير قدراتهم في البحث والتفكير ومهارات التواصل مع الآخرين والمشاركة وتحمل المسؤولية وليس مجرد الترديد والتلقين ورفع الشعارات البراقة دون فهم لب معناها ومقتضاها.