الطفل المعجزة

 

هاتفني يومًا أخ كريم يعمل صحفيًا في إحدى الصحف السعودية اليومية يسألني إن كان بالإمكان ترتيب مقابلة صحفية مع أحد الأطفال الموهوبين ووالده وبعض معلميه. قلت: نعم فقط أمهلني بعض الوقت. الأخ الزميل اتصل مرارًا وتكرارًا يسأل عن طلبه السابق، وأمام هذا الإلحاح سألته إن كان بالإمكان الاتصال بمركز رعاية الموهوبين في مدينة الرياض أو أي مدينة أخرى لتنسيق لقاء مع أحد طلابهم؟ فأجاب بلهجة سريعة فيها نوع امتعاض: «يا دكتور لي ما يقارب ستة أشهر وأنا أتصل وأبحث ولم أجد بغيتي، ما عرضوه علي لا يتناسب والمواصفات المطلوبة!». حقيقة هالني هذا الرد! أيعقل أن تبحث عن موهوب واحد فقط في أرجاء المملكة كلها ولمدة ستة أشهر ولا تجد! بعد التمعن قليلاً اعترتني نوبة ضحك ـ وشرُّ البلية ما يضحك ـ بلادنا المترامية الأطراف الغنية بأبنائها ورجالها ليس بينهم موهوب! هذه الجزيرة التي ولد فيها وترعرع خير خلق الله [ وأمدت العالم كله ـ عبر التاريخ ـ من مشرقه إلى مغربه برجال ونساء كان لهم الأثر الأكبر في تغيير وجهه السياسي والعلمي والأدبي والاجتماعي ثم نعجز الآن أن نجد موهوبًا واحدًا!!! آه ثم آه أين هذا الطفل الموهوب المعجزة؟

 

مكمن الخطر

سبب نوبة الضحك تلك أنها أثارت شيئًا من ذكرياتي الجميلة. كنت يومًا أتحدث مع زميل لي ـ اسمه علي وهو متخصص في مجال التخلف العقلي ـ في أول لقاء بيننا في أثناء دراستي لدرجة الدكتوراه في الولايات المتحدة الأمريكية وسألني حينها عن مجال تخصصي، فأخبرته أنه في مجال رعاية الموهوبين، فضحك وقال: «عندما تم تعييني في جامعة الملك سعود قسم التربية الخاصة، اقترح عليَّ بعض الزملاء التخصص في مجال رعاية الموهوبين فأخبرته خلالها ممازحًا له: تريدني أن أبقى عاطلاً بلا عمل؟ بل سأتخصص في مجال التخلف العقلي حيث المجال أرحب في بلادنا». ضحكنا حيث لم تبدو لنا في ذلك الوقت أكثر من كونها ممازحة لطيفة. لكن الآن ونحن في هذه الموجة من الاهتمام بمجال رعاية الموهوبين على المستوى الرسمي والشعبي نواجه بحق حقيقة مرة. هنا في المملكة، وكما هو الحال في بعض الدول العربية، يتنامى الشعور بضرورة تلبية الحاجات المتنوعة للموهوبين ورعاية قدراتهم. وعلى ما يحمل هذا الشعور من إيجابية بالغة، إلا أنني أجد أن الحقيقة المرة في خضم هذا الزخم من الاهتمام هو في إهمال محاولة فهم أكثر الحاجات إلحاحًا لدى الموهوبين ألا وهي فهم وتفهم طبيعة وجوهر الموهبة وليس فقط الاحتفال بمظاهرها البراقة.

ما صورة الموهوب في مخيلتك؟

قمت مرة بتكليف الحضور في إحدى ورش العمل التي نفذتها للتوعية بمجال رعاية الموهوبين بأن يقوموا برسم طفل موهوب ويقيدوا تحت الصورة أبرز سماته العقلية والشخصية التي يعتقدونها. النتيجة المؤلمة المضحكة التي خلصت بها من معظم الرسومات أن الحضور متفقون على أن الشكل الخارجي للموهوب غالب ما يكون كالتالي: طفل ضعيف البنية، مثلث الرأس، يلبس نظارات عريضة جدًا لا تكاد ترى عينيه منها، شعره متطاير، غير منظم الهندام. أما عن سماته الشخصية والعقلية فحدث ولا حرج، وباختصار شديد هو: طفل لم يتجاوز عمره السبع سنوات، استطاع أن يعلم نفسه القراءة والكتابة في وقت مبكر جدًا، قوي الذاكرة، يحفظ بسرعة فائقة، متحدث بارع، يستطيع توليف القصائد، ويحل أعتى المسائل الرياضية بمجرد نظرة خاطفة. أما وقد كبر قليلاً فهو ذلك الشاب كثير المخترعات، متعدد المهارات، مبرمج لا يشق له غبار في الحاسب الآلي، وبطبيعة الحال صاحب معدل 100% من القسم العلمي في الثانوية العامة.

ماذا تريد من الموهوب؟

قد يبدو هذا الكلام مبالغًا فيه، وقد تشعر أن من يحمل هذا التصور قلة، وبالطبع قد تستثني نفسك من هؤلاء القلة، لكن الحقيقة المؤلمة حين تواجه بسؤال: من الموهوب؟ وماذا نريد من الموهوبين القيام به؟ تجد أن كثيرًا منّا يتجه إلى التصور ذاته. تشكل هذه الحقيقة كابوسًا مزعجًا، ومشكلة عويصة تواجه الموهوبين وبرامج رعايتهم في المملكة. من المعتاد جدًا أن نسمع من بعض أولياء الأمور ـ خصوصًا المثقفين منهم ـ حين نبعث إليهم بطلب موافقتهم على انضمام ابنهم أو ابنتهم إلى برنامج رعاية الموهوبين عبارة: «غريب.. لا يظهر عليه، هل أنتم متأكدون؟ أنا ما أرى فيه شيئًا مميزًا»، بل الأعظم من ذلك حين نسمع من بعض المعلمين بعض التعليقات «غير اللطيفة» والتي غالبا ما تشكك في مصداقية المقاييس التي نستخدمها وذلك بحجة أن الطلاب المختارين للبرنامج ليسوا بارزين بدرجة كافية.

ما أكثر ما يثار النقاش الموجه حول المشكلة نفسها في مجالس مختلفة المستويات، لعل آخرها قبل أيام قلائل حين فجعت باستفسار من أحد مديري المدارس نصه التالي: «هل اكتشفتم بالفعل موهوبين؟ هل لديهم القدرة على حل مشكلة مرض السارس فيما لو تعرضت له البلاد لا سمح الله؟ هل خرجتم باكتشافات عظيمة لكنكم تخفونها كتكتيك استراتيجي؟ أم أن المسألة مجرد تجميع الطلاب ليجمعوا مجموعة من عبس ـ نوى ـ التمر ويشكلوا بها لوحة فنية». إنه لأمر مؤرق جدًا أن هذا الفهم الغريب الخطير للغاية ينتشر بسرعة عجيبة: نريد موهوبين ذوي قدرة فائقة على تغيير أحوالنا الاجتماعية والاقتصادية والعلمية المتعثرة بين عشية وضحاها، إنها مصيبة استعجال الثمرة واعتقاد الخوارق.

مقاس ثابت لثوب الطفل الموهوب

هذا يقودنا إلى مشكلة أخرى يعانيها بعض الطلاب الموهوبين في صفوفهم الدراسية، ألا وهي عدم قناعة أو لنقل عدم الرغبة في قبول وتفهم أن الطالب الجالس بين يديه في الصفوف الخلفية كثير الحركة والمشاكسة قليل التجاوب مع متطلبات الواجبات اليومية يمكن أن يكون موهوبًا. قالها لي الأستاذ خالد مرة ـ أحد المعلمين في الساحل الشرقي ـ: «هذا الطالب أعده ضعيف الاستيعاب فكيف بربك يمكن أن تقول لي أن مقاييسكم تقول إنه موهوب؟ هو لا يستطيع حتى حل المسائل الرياضية متوسطة الصعوبة، ولا أعتقد أنه قادر على أن يخترع شيئًا قط». وتعظم المصيبة وتشتد الكارثة حينما يصبح هذا التصنيف مدعاة للسخرية والتهكم على الطالب في حال إخفاقه في حل مسألة ما أو عدم تجاوبه مع بعض متطلبات أستاذه. إنها مشكلة التصور الخاطئ للموهبة المستقر في العقل الباطن: لم يخترع شيئًا! يخطئ في حل المسائل الرياضية، ليس متميزًا بصورة كبيرة جدًا عن بقية زملائه، إذًا كيف يكون موهوبًا؟ في أحوال كثيرة يبدو لي أن كثيرًا من المعلمين قد خاط للموهوب في تصوره ثوبًا ذا مقاس ثابت وأبعاد محكمة لابد للموهوب أن يكون في مقاس هذا الثوب حتى يكون أهلاً لهذه الصفة.

السلعة الإعلامية والطفل المعجزة

قد يشكل الإعلام جزءًا كبيرًا من هذه المشكلة. الإعلام مولع بالبحث عن ذلك النمط من الموهوبين الذين يشكلون نسبة تقل أحيانًا عن واحد من مليون من بين فئة الأطفال الذين يمكن تصنيفهم ضمن فئة الموهوبين. إنهم دومًا يبحثون عن ذلك الطفل المعجزة. أعود مرة أخرى إلى صاحبي الصحفي فعندما حاورته قائلاً: «أنت في مدينة الرياض حيث توجد الإدارة العامة لرعاية الموهوبين ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين ومركز متميز لرعاية الموهوبين ثم تقول لم تجد موهوبًا يتناسب والمواصفات المطلوبة». قال لي: «نعم اتصلت بهم أو ببعض من أعرفه على صلة بهم لكن يبدو أنه ليست لديهم النوعية التي نريد فاعتقدت أن بإمكانك أن تساعدنا في الحصول عليها».

قلت له: «أعرف طفلا في الصف الخامس الابتدائي متحصل على درجة 140 في مقياس القدرات ولديه قدرات إبداعية عالية». قاطعني قائلاً: «في الخامس الابتدائي! أي في الحادي عشر من عمره! لا.. لا، نريد طفلاً أصغر من ذلك». قلت له حسنًا هناك طفل آخر في الصف الثالث الابتدائي أعرفه وأعرف والده تحصل على درجة 146 في مقياس القدرات و 136 في مقياس تورانس للقدرات الإبداعية وهو بالفعل موهوب». قال مرة أخرى: «نريد أصغر من ذلك بكثير، ألا تعرف طفلاً دون الخامسة تنطبق عليه مواصفات عالية؟» قلت: «لم أجر قط أي نوع من المقاييس على أطفال في هذا السن، لكنني أعرف طفلاً في السادسة من عمره طلب مني والده مقابلته والتحدث معه، ومن خلال خبرتي وتقديراتي الخاصة أتصور أنه موهوب، هل تريد أن أحادث والده في هذا الأمر». سكت قليلاً، ثم قال: «كنت أتمنى أن نجد ابن الأربع سنوات، ولكن قد يكون هذا مناسبًا، طيب ماذا يمكن أن يفعل هذا الطفل؟» قلت ضاحكا: «ماذا تقصد بماذا يمكن أن يفعل؟ إنه طفل في السادسة من عمره! في العموم تبدو لي قدراته العقلية والإبداعية عالية جدًا، يفعل أشياء كثيرة يحبها بصورة متقنة ومختلفة نوعًا ما عن المعتاد». قاطعني مرة أخرى وقال: «أقصد ما الأمور التي استطاع إنجازها أو إتقانها بصورة باهرة وغريبة مما يجعل من الطفل مثيرًا جدًا؟ حقيقة أصبت بإحباط شديد وكأن القضية ليست لها بعد تربوي على الإطلاق، بل هي إعلامية بحتة تبحث عن الإثارة. قلت له: «تقصد هل يحفظ الطفل كتاب الله كاملاً ويستطيع ترديد قصيدة الأصمعي عن ظهر غيب؟ أو سبق له أن اخترع شيئًا ما؟ أو تقول له مسائل رياضية على الهواء ثم يجيب عنها مباشرة وفي لحظات؟ هل هذا ما تقصد بماذا يمكن أن يفعل؟» قال وبحماس شديد: «نعم.. نعم.. بالضبط مثل هذه الأمور أو شيء من ذلك».

حوار مع أينشتاين

لا غرو أن الإدارة العامة لرعاية الموهوبين ومؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله لرعاية الموهوبين ومركز الرياض لرعاية الموهوبين وغيرها من المراكز عجزت أن تجد لهذا الصحفي بغيته. أمضيت بعض الوقت والجهد محاولاً إقناع هذا الصحفي بأن الطفل الذي في مخيلته لا يظهر إلا مرات معدودة كل عقد من الزمن وأن نسبتهم ضئيلة للغاية، وقد يظهرون ويختفون دون أن يشعر بهم أحد ودون أن يستفيد منهم مجتمعهم بسبب عدم توفر الظروف الملائمة. ومما قلت له في ذلك ـ وقد استفدت هذا المثال من أحد كبار علماء مجال رعاية الموهوبين في مقابلة صحفية له ـ: تخيل أن لدينا في المملكة أينشتاين وله من العمر تسع سنين، أينشتاين لم يخترع شيئًا في هذا العمر، حافظته لم تكن متميزة جًدا، تقارير معلميه في هذا السن تشير إلى أنهم يصنفونه من ضمن بطيئي التعلم أو ضعيفي الاستيعاب، في هذه الحالة هل سترفض إجراء مقابلة صحفية معه؟ صدقني من ذكرت لك من الأطفال هم موهوبون من الطراز الأصيل». قال وفي نبرة كلامه نوع اقتناع: «نعم أتفهم هذا الأمر، ولكن حاول أن تجد لنا طفلاً أصغر من خمس سنوات ويمكن أن يفعل شيئًا متميزًا أمام الكاميرا!!».

الحقيقة أنني أتمنى أن لا يجد هذا الصحفي بغيته؛ لأن ذلك سيساعد على ترسيخ هذا التصور الخاطئ الذي يحمله المجتمع عن الموهبة. من الطبيعي جدا أننا سنواجه بالآباء يرددون بتواضع شديد «لا.. لا، ابني أبعد ما يكون عن الموهبة». وسيستمر المعلم يقف أمام تلاميذه يحادث نفسه: «لا يوجد بينهم من يسمونه موهوبًا». وسيظل المجتمع بمختلف فئاته ينادي: «أين هم هؤلاء؟ أين يعيشون؟ لماذا لا يوجد بيننا موهوبون؟ لم نشاهد إلى الآن موهوبًا حقيقيًا؟». كل هذا بسبب صورة «الطفل المعجزة» الذي يبحث عنه صاحبي الصحفي ويريد أن يقدمه أنموذجًا للموهوبين في المملكة.

مقاييس وهمية

دار حوار بيني وبين الأستاذ خالد غير المقتنع بأن أحد طلابه المرشحين من الصف الخامس الابتدائي للانضمام إلى برنامج رعاية الموهوبين في المدرسة يمكن أن يكون موهوبًا على الرغم من تفوقه الدراسي وذلك بسبب عدم وجود التميز البَيّن عن بقية زملائه في الصف. سألت الأستاذ خالدًا: «أقدر رأيك وأحترمه، هل لك أن تحدثني عن المقياس الذي تعتمد عليه أو المعايير التي تستند إليها في تحديد التميز البَيّن بين طلابك؟» على الرغم من أن السؤال بدا لي مربكًا له إلا أن إجابته أيضًا كانت مفاجئة ومربكة لي. قال لي بصوت يوحي بالثقة مع ارتفاع في نبرات الصوت قليلاً: «لي في ميدان التدريس ما يقارب العشرين سنة وأستطيع أن أفهم وأتعرف على كل واحد من طلابي؛ كيف يفكر، وماذا يمكن أن يقدم. هذه الكراسات ـ وأشار بيده اليمنى إلى مجموعة كبيرة من الكراسات قابعة على مكتبه ـ تخبرني بقدرات طلابي واحًدا واحدًا، كيف يشارك الطالب في الصف وكيف يجيب عن الأسئلة الشفهية طوال الفصل الدراسي مقياس أهم وأصدق من مقاييسكم التي تدعون أنها موضوعية». لا أشك أن الأستاذ خالدًا صاحب خدمة تربوية كبيرة وفهم ووعي لا بأس به بوظائفها وأهدافها، بل يعد في رأيي المتواضع معلمًا متميزًا، وأنا لا ألقي عليه اللوم في حمله لهذا التصور عن الموهبة وطرائق تمييزها، لكون برامج التوعية بهذا المجال من العلوم ما زالت في بداياتها. عدت إلى سؤال أخي الأستاذ خالد: «خلال هذه الفترة والخدمة الكبيرة في التدريس، هل صادفت من بين طلابك من يمكن تسميته بالموهوب؟» أجاب بعد فترة ليست بالقصيرة من التفكير العميق والذي بدا لي أيضًا أنه مجهد: «لا.. لا.. مع الأسف لا أذكر أحدًا، إلا واحدًا أو اثنين يمكن أن أقول عنهما إنهما موهوبان جزئيًا لقوة وسرعة قدرتهم على الحفظ». سأتوقف عن عرض تفاصيل هذا الحوار مع الأستاذ خالد وأنقله إلى حوار جماعي مع القراء الكرام. لنعد قليلاً بذاكرتنا أو لعلنا نقلب كراسات الواجبات اليومية لأبنائنا، وأوجه سؤالي إلى الجميع: هل في هذه الكراسات من التكاليف والتعيينات الدراسية ما يمكن أن يمايز بين قدرات الطلاب؟ معظم الطلاب يؤدون الواجبات اليومية بصورة متشابهة ويقتصر التميز في الإخراج الفني والخط والترتيب. ثم السؤال الثاني: هل هذه الواجبات والتعيينات ممتعة وتتحدى قدرات الطلاب أم أنها مملة ومكرورة والقصد منها لا يتعدى إجبار الطالب على فتح الكتاب المدرسي في المنزل ومراجعة الدرس؟ السؤال الثالث: هل التعيينات والواجبات متنوعة بتنوع قدرات ومستويات الطلاب أم أنها تخاطب الجميع على أن لديهم قدرات عقلية متساوية وخبرات سابقة متماثلة؟ فهل مثل هذه الواجبات أو المشاركات الصفية قادرة على تمييز وإبراز القدرات الخاصة. لقد أثبتت مجموعة كبيرة من الدراسات العلمية أن ما ينتجه الطلاب الموهوبون في الصف الدراسي العادي من واجبات ومهمات أقل بنسبة 50% من قدراتهم على الإنجاز، وأن كثيرًا من الطلاب الموهوبين ليسوا على دراية بمستوى قدراتهم ومجالاتها، وبالتالي إنجازهم ينحصر فيما يتوافق مع ما يريده المعلم وهو الأمر الذي لا يجعل منهم متميزين بدرجة كافية.

كن متأكدًا من فهمك للموهبة

نحن بحاجة ماسة إلى أن يتخلص المجتمع من هذا التصور ويحاول أن يتفهم الصورة الحقيقية للموهبة والموهوبين. يجب أن ينظر الآباء والمعلمون إلى الاستعدادات الفريدة للتميز والعمل على توفير البيئة المناسبة لها لتنمو وتزدهر، لا أن يبحثوا عن المظاهر الخلابة والأعمال النادرة جدًا حتى يعترفوا بقدرات أبنائهم. أجد الاتصالات الهاتفية من بعض الآباء عن قدرات أبنائهم في الآونة الأخيرة وسؤالهم عن الأسلوب الأمثل لرعايتها مؤشرًا إيجابيًا لنمو التصور الصحيح لمفهوم الموهبة بين قطاع أولياء الأمور في المجتمع على الرغم من اعتذاراتهم الخجولة وتقديمهم لحديثهم عن أطفالهم بعبارة «ليس موهوبًا بالصورة التي تتصورها، ولكن أشعر أن لديه قدرات أعلى ممن هم في سنه». قلت مرة لأحد الآباء وقد بدا غير مقتنع بأن يكون ابنه مؤهلاً للالتحاق ببرنامج رعاية الموهوبين الذي رشح له: «إذا كنت غير متأكد من كون ابنك موهوبًا أم لا، عليك ألا يقلقك هذا المصطلح «موهوب»، لا تضع معايير عالية جدًا وغير منطقية لهذه الصفة. الطفل الموهوب ببساطة بالغة هو طفل لديه استعدادات عقلية عالية تفوق أقرانه في العمر قد لا تكون واضحة بيّنة لجموع الناس. كثير من الأطفال الموهوبين لا يظهرون تميزًا مثيرًا للانتباه ولا يحققون نتائج باهرة خاصة إذا لم يتم التعرف على مواهبهم ورعايتها أو إذا كانوا في بيئة مدرسية لا توفر الظروف المناسبة والتحدي العقلي اللازم لظهور تلك المواهب».

في الختام .. همسة

أليس من العجيب أن نبحث عن النتائج الباهرة كعلامات فارقة لوجود الموهبة، ونحن لم نهيئ البيئة المناسبة بكل ما تحويه من كتب مدرسية وتعاملات أسرية ومناشط وتعيينات يومية. أنريد من الطفل الموهوب أن يكون مخترعًا فذًا أو قادرًا على حل المسائل الرياضية المعقدة أو متمكنًا من إنشاء القصائد وترديدها بصورة خلابة دون أن نساعده على التعرف على ذاته وعلى قدراته، ثم لا نساعده كيف يتعلم وكيف يتميز، ثم نقول ليس في هذا الصف موهوب!! أقول وكيف له أن يضيء إلا أن يكون هو «الطفل المعجزة».


نبذة عن الدكتور

إشترك في النشرة البريدية